عرض: إبراهيم غرايبة
المصدر: مركز الجزيرة للدراسات
يعرض الكتاب وهو في الأصل أطروحة دكتوراه في العلوم السياسية من جامعة لندن مجهودًا فكريًا وميدانيًا لدراسة أصول ومراحل وتطور الحركة القومية البلوشية في إيران وباكستان وأفغانستان، ويحلل القواعد والديناميات والآثار المترتبة على الحركة القومية البلوشية في الإطار الإقليمي والعالمي، والطريق المرجح أن تسلكه في القرن الحادي والعشرين.
الموضوع الرئيسي للدراسة (الكتاب) يدور حول مسألتين أساسيتين: هل هناك صفة قومية للبلوش مع وعي قومي متطور بما فيه الكفاية وخصائص متمايزة مشتركة من قبل أعضاء هذه القومية؟ وإذا كان الأمر كذلك هل الوعي القومي لدى البلوش وعزمهم على الحفاظ على هويتهم القومية ورغبتهم في الاستقلال السياسي متين بما يكفي لكي نقول: إن هناك حركة قومية بلوشية؟
وتتوزع فصول الكتاب على نظريات القومية، والأسس المتماسكة للقومية البلوشية، وتطورها التاريخي، وتطبيقاتها في الوعي والتأسيس، والحالة البلوشية في مرحلة ما بعد الاستعمار، وقيام وسقوط الحكم الذاتي للبلوش، والثورات، وموقف ودور القوى العظمى.
البلوش: أمة وقضية
تتوزع اليوم الأراضي البلوشية (بلوشستان) بين ثلاث دول: باكستان وأفغانستان وإيران، والبلوش هم الشعب الذي يسكن هذه المنطقة، ولهم امتدادات أخرى في إقليمي السند والبشتون الباكستانيين، كما ينتمي إلى البلوش الراهوئيون الذي يتكلمون اللغة الراهوئية، وقد هاجرت أعداد كبيرة من البلوش إلى منطقة الخليج العربي، عمان والإمارات والكويت والسعودية والعراق، ويقدر عدد البلوش اليوم بحوالي عشرة ملايين نسمة.
وقد نشأت للبلوش إمارات وممالك مستقلة (خانيات يرأسها خان) بدءًا من القرن الرابع عشر الميلادي، وفي مرحلة الاستعمار الحديث أصبحت بلوشستان جزءًا من الإمبراطوارية البريطانية في الهند، وأُلحق قسم كبير من الأراضي البلوشية بأفغانستان التي استقلت منذ عام 1747، وأصبحت أقاليم مكران وسيستان جزءًا من إيران منذ العام 1928، وأُلحقت خانية كلات البلوشية (كويتا) بدولة باكستان عام 1948.
وخاض البلوش منذ ذلك التاريخ كفاحًا طويلاً ومريرًا لأجل استقلالهم أو لأجل حكم ذاتي وللحفاظ على هويتهم وثقافتهم التي تعرضت -وبخاصة في إيران- للإلغاء والدمج في القومية والثقافة الفارسية، ودخل البلوش في سلسلة من الثورات المسلحة ضد إيران وباكستان، كان أشدها ضراوة الثورة التي وقعت بين عامي 1973 – 1977.
نظريات القومية
يحاول المؤلف أن يكيف القضية والحالة البلوشية وفق النظريات القومية التي سادت في أواخر القرن التاسع عشر، ويرى أن القومية اليوم هي المبدأ المهيمن على النظم السياسية في العالم، وترتكز دعوتها على الشرعية السياسية المستمدة من مطالب المجتمع القومي، وهي تمثل غالبية التفاعلات السياسية، والمصادر الرئيسية للشرعية في الشرق الأوسط، تنبع من ولاء السكان إلى جماعات أكبر من وحدة الأسرة، وهي الديانات التقليدية والقومية.
ومنذ مطلع القرن العشرين والحركات القومية البلوشية تحاول أن تؤسس شرعيتها وروايتها بنشدان القومية البلوشية في جميع أنحاء بلوشستان، التي تشكّل إقليم بلوشستان الباكستاني، وإقليم سيستان وبلوشستان الإيراني ومناطق متجاورة في جنوب أفغانستان.
ويلقي المؤلف الضوء على النظرية الأنسب في تقديم تحليل للعديد من القضايا التي تخص مفهوم القومية في السياق البلوشي، وهي نظرية أنثوني دي سميث عن القومية؛ باعتبارها، كما يقول، تقدم استجابة قوية للمفاهيم التي تعتمد عليها القومية. وينظر إلى الإثنية على أنها هي الجماعات التي يربطها وعي مشترك بالأسلاف أو الدين أو اللغة أو الإقليم أو التقاليد التاريخية ونضال من أجل مصالح أعضائها، ويأخذ بالاعتبار أيضًا مقولة ماكس فيبر أن الأمة تحل محل الهوية البدائية، وأن الانتماءات العقلانية تحل محل الوعي الاجتماعي القائم على أواصر المودة في المجتمع الصناعي الحديث.
وهكذا، فإن الهويات القومية تستند إلى عنصرين: إثني مستمد من الموروثات الثقافية والتاريخية، ومواطنة إقليمية مستمدة من الحداثة، وعلى الرغم من حدة التوتر بين هذين المبدأين فإنهما ضروريان لتشكيل هوية إقليمية مكتملة؛ إذ يجب على المجتمع الإثني من أجل أن يكوّن أمة أن يقيم مجتمعًا مدنيًا قائمًا على المواطنة السياسية وأمة إقليمية تعتمد على أسطورة الأصل المشترك والذكريات التاريخية لتمييز نفسها من جيرانها.
وقد عرّف أرنست رينان الأمة بأنها "روح ومبدأ روحي، يشكّلهما إرث غني مشترك من الذكريات وإجماع في الوقت الحاضر على الرغبة في العيش المشترك" Ernest Renan, What is the Nation?، وبالتالي فهي جماعة من الناس عبّرت عن نفسها جماعيًا من خلال الأحداث التاريخية والدين وربما أفضت مشاركتها في الدين والجغرافيا واللغة إلى هذه المشاركة التاريخية، ويمكن العثور على المحتوى الأساسي لهذه الأمة في هذه المشاركة.
ويعرّف سميث (ِA.D. Smith, National Identity) القومية باعتبارها حركة أيديولوجية لتحقيق الاستقلال والحفاظ عليه والوحدة والهوية الممثلة لمجموعة من السكان التي تعتبر من قبل بعض أعضائها أنها تشكّل الأمة الفعلية أو المحتملة، ووفقًا لسميث فالفرضيات المركزية المقترحة لهذه الأيديولوجية أو "المبادئ الأساسية" هي أربعة:
ينقسم العالم إلى أمم، ولكلٍ من هذه الأمم ذاتها وتاريخها ومصيرها الخاص.
الأمة هي مصدر جميع القوى السياسية والاجتماعية، والولاء للقومية يتجاوز كل الولاءات الأخرى.
يجب على البشر التماهي مع الأممية إذا كانوا يريدون أن يكونوا أحرارًا ويفهموا أنفسهم.
يجب أن تكون الأمة حرة وآمنة إذا أُريد للسلام والعدالة أن يسودا العالم.
البلوش ومفهوم الإثنية والأمة
تتجاهل باكستان وإيران انبثاق القومية البلوشية، ويقول سيلغ هاريسون (selig S. Harrison: Ethnic and Politics in Pakistan: the Baluch Case): "إنهما تميلان في تفكيرهما في المجتمع البلوشي إلى النظر في طابعه وأنماطه التنظيمية القبلية التقليدية فحسب. ويرد المؤلف بأن البلوش ينطبق عليهم تعريف القومية، وقد كانت لهم دولتهم الخاصة بهم، وعلى هذا الأساس كتب ريتشارد سليمباتش (Richard A. Slimbach: Ethnic Binds and Pedagogies of Resistance: Baluch Nationalism and Education Innovation in Karachi)".
إن الأساطير والذكريات شكّلت القواعد المتماسكة للمقاومة البلوشية عبر المائة والخمسين سنة الماضية في ظل حكم الاستعمار وما بعد الاستعمار، وهم، كما ينسب المؤلف إلى كنغوفسكي (Yu V. Gankovesky: The people in Pakistan : an Ethnic History)، مجتمع مستقر يقطن إقليمًا محددًا بشكل واضح في جنوب غرب آسيا، ويتحدثون بلغة مشتركة (البلوشية) ويمتلكون أساسًا اقتصاديًا وطنيًا واحدًا.
وقد ظهرت الثقافة واللغة البلوشية بشكل واضح ومميز في القرن الثاني عشر الميلادي، ولا ينحدر البلوش من سلالة واحدة، ولكن أساطيرهم تؤكد على نقائهم العرقي العام، يقول المؤرخ محمد سردار خان: "علينا أن نعترف ونقر بأن الشعب البلوشي حافظ بجهده على نقاء الدم وتميز الشخصية بأفضل ما لديه من الوسائل (Muhammad Sardar Khan: The Great Baluch).
وتمثل بلوشستان -أي أرض البلوش- وعيًا إقليميًا متجذرًا لدى البلوش؛ فهي مستقلة جغرافيا عن الهند وإيران، ولكنها في الوقت الحاضر مقسمة بين ثلاث دول، باكستان وإيران وأفغانستان، وتمتد بلوشستان الشرقية (الباكستانية) على مساحة 347 ألف كيلو متر مربع، وعاصمتها كويتا، ويسود فيها اقتصادان: رعوي وزراعي، وتشمل بلوشستان الغربية (الإيرانية) أقاليم سيستان (زاهدان) ومكران على الخليج، ويسود فيها اقتصاد رعوي وزراعي وصيد السمك على الخليج. وللبلوش امتدادت سكانية وثقافية في الخليج العربي؛ تشكّلت عبر التاريخ والهجرات والتواصل التجاري، وتقيم أعداد كبيرة منهم اليوم في الكويت وعمان والإمارات والكويت والعراق. ويضيف المؤلف الأردن وسوريا ولكن المترجم أحمد يعقوب يقول: لا دليل على وجودهم في الأردن وسوريا، وأشار يعقوب إلى المصادر البريطانية في عام 1908 والتي أشارت إلى أن عدد البلوش في الخليج يزيد على سبعين ألفًا.
وقدّر هاريسون في عام 1981 مجموع السكان البلوش بحوالي خمسة ملايين، ولكن المؤلف يقول: إنه إحصاء يستثني البلوش المتحدثين باللغة البراهوئية.
ويشكّل وعي البلوش بلغتهم وتراثهم الثقافي المشترك أساسًا مهمًا لقوميتهم، وتتجلى القيم الثقافية البلوشية في مجموعة من المعايير والتقاليد والفولكلور المشترك، وأغلب البلوش مسلمون سنّة أحناف، وبعامة يفصلون بين الدين والسياسة، وقبل دخولهم الإسلام كانوا يدينون بالزرادشتية، وتؤدي الشريعة الإسلامية دورًا مهمًا في الحياة اليومية للشعب البلوشي، وانتشرت في القرن الرابع عشر الصوفية الذِكرية.
التطور التاريخي
أكثر تاريخ البلوش القديم ضبابي وغير يقيني ويستند إلى روايات أسطورية، ولكن الدراسات الغربية الحديثة تقرر أن البلوش مزيج عرقي من عدة شعوب وطبقات، وأن اللغة البلوشية تشكّل جزءًا من المجموعة الإيرانية في عائلة اللغات الهندو أوروبية، ويعتقد بعض الكتّاب البلوش أن البلوش هم سكان مكران القدماء.
وبدأ التميز البلوشي بالظهور الواضح في القرن الثاني عشر الميلادي، وظهرت لهم في القرنين السادس عشر والسابع عشر دول قائمة على الزعامات الأرستقراطية والإقطاعية، وفي القرن الثامن عشر ظهرت خانية كلات البلوشية التي ظلت بمثابة دولة للبلوش حتى عام 1839 عندما أُخضعت المنطقة للنفوذ البريطاني وفي أثناء ذلك قُسمت البلاد البلوشية بين الهند (لاحقًا باكستان) وإيران وأفغانستان.
القومية في التطبيق
في عام 1947 أعلن البلوش دولتهم المستقلة إثر الانسحاب البريطاني من الهند، برئاسة خان كلات، أحمد يار خان، وجرت انتخابات نيابية، وشكّل القوميون البلوش الحكومة، ولكن هذه الدولة المستقلة لم تستمر سوى ثمانية أشهر، وقامت باكستان بضم الأراضي البلوشية إليها وبموافقة جدلية للخان البلوشي الذي كان بمثابة حاكم البلوش مير أحمد يار خان، ولعله قدر أن ثمة إصرارًا باكستانيًا وبريطانيًا على ضم بلوشستان وأن الرفض سيؤدي إلى حرب لا يقدر البلوش على خوضها، ويضاف إلى ذلك أيضًا عدم وجود وحدة وطنية كافية بين القبائل البلوشية من أجل قضية الاستقلال.
وبدأ النضال البلوشي يأخذ اتجاه السعي نحو مزيد من الحكم الذاتي في باكستان والمطالبة بالإصلاحات الاجتماعية والاقتصادية، وكانت باكستان تتكون من إقليمين متباعدين جغرافيًا: باكستان الشرقية (بنغلاديش) وباكستان الغربية، وفي الوقت الذي كانت باكستان الشرقية أكثر عددًا ومتجانسة عرقيًا فقد كانت الغربية تتكون من عدد من الإثنيات والقوميات من البنجاب والسند والبشتون والبلوش والمهاجرين من الهند، وكان النظام السياسي الباكستاني يسعى بقوة إلى أن يكون الباكستانيون الغربيون وحدة واحدة، ولكن البلوش رفضوا هذه الوحدة، وعادت اليهم من جديد التطلعات القومية.
وفي عام 1970 أُنهي نظام الوحدة الواحدة في باكستان، وأُعلنت بلوشستان إقليمًا منفصلاً، ولكن ضُمّ إلى الإقليم عدد كبير من البشتون، وضُمّ أيضًا عدد كبير من البلوش إلى إقليمي السند والبنجاب، وأُجريت انتخابات وهيمن القوميون البلوش على غالبية البرلمان الإقليمي لبلوشستان، وشكّلوا أول حكومة تمثلهم في تاريخ باكستان عام 1972.
وفي إيران قمع البهلويون جميع مظاهر الشعور القومي الناشئ لدى البلوش في ثلاثينيات القرن العشرين إلى خمسينياته، واتُخذت إجراءات قاسية لقمع البلوش وإجبارهم على الاندماج، وحُظرت اللغة والأسماء والموسيقى البلوشية.
يُعتبر يوسف علي مكَسي الرائد الأول للحركة القومية البلوشية في مطلع القرن العشرين، والذي أنشأ مع مجموعة من أصدقائه منظمة انجمن اتحاد بلوتشان (توحيد البلوش) وهي منظمة سياسية سرية من أجل تحرير بلوشستان، واختارت الحركة القومية البلوشية خطاب القومية الأوروبية في مطلع عشرينيات القرن العشرين، وأخذت مفاهيم مثل: الأمة الحديثة، والوطن محدد المعالم، وحق تقرير المصير،... إلخ.
تطورات القضية البلوشية
كانت خمسينيات وستينيات القرن العشرين عقودًا من الاضطراب السياسي في باكستان، وعانت الهياكل القبلية في بلوشستان من نكسات كبيرة، ويرجع ذلك إلى توطين البدو، وارتفاع عدد سكان المناطق الحضرية وإصلاحات الأراضي التي بدأتها الحكومات المركزية. وبالمثل طرأ تغير ملحوظ على المشهد الثقافي، فقد بدأت الصحافة البلوشية وصدرت دوريات وكتب، وبدأت الصحافة المكتوبة تؤدي دور الملهم للقومية البلوشية.
واتجهت المطالب القومية البلوشية في باكستان نحو الحكم الذاتي، وشُكّل لهذا الهدف حزب اُستمان كَل، (حزب الشعب) ولكن الهيمنة العسكرية (1958–1969) حالت دون التوصل إلى حل ديمقراطي لمسألة بلوشستان، وبعد انفصال بنغلاديش اشتعلت ثورة بلوشية في سبعينيات القرن العشرين لمدة أربع سنوات (1973– 1977)؛ وأدت هذه الثورة إلى فجوة واسعة من عدم الثقة بين البلوش والحكومة المركزية الباكستانية.
وفي إيران كانت السياسة المركزية أكثر قمعية وقسوة من باكستان؛ فقد تبنى رضا شاه ثم محمد رضا سياسة القبضة الحديدية، وبسبب ذلك فقد كانت الحركة القومية البلوشية في إيران أخفض في مستوياتها الإعلامية والسياسية والعسكرية، واتبعت سياسات فارسية شاملة على الثقافة والهوية البلوشية، ولكن البلوش الإيرانيين واصلوا النظر إلى أنفسهم كأمة مستقلة من الناحية الثقافية.
وبعد سقوط نظام الشاه عام 1979 بدأ البلوش تحركًا فوريًا للتعبير عن هويتهم المميزة، ولكن البلوش وجدوا أنفسهم مرة أخرى في مواجهة مع النظام السياسي الجديد في إيران، وحظرت الأحزاب السياسية البلوشية، وبدأ البلوش في مواجهة تمييز واضطهاد من نوع جديد قائم على أساس مذهبي (سنة وشيعة)، وبدأت نخب حداثوية تصعد وتأخذ مكان النخب التقليدية في المجتمع البلوشي بسبب التعليم والتحولات الاقتصادية والاجتماعية التي شملت بلوشستان بطبيعة الحال، وزاد حضور النساء في الحياة العامة، وصارت الطبقة الوسطى أكثر اتساعًا وتأثيرًا.
وقد ساهمت الطبقة الوسطى من خلال عملها في دول الخليج العربي في إنشاء حركة جديدة لتداول المال والاستثمار، وبدأ البلوش يمتلكون قطاعات تجارية وخدماتية كانت محتكَرة من قبل قوميات أخرى، وقد ساهم ذلك في تعميق الوعي القومي، ولكن سقطت القيادات السياسية فريسة النزاع والتفتت، وازدادت حدة الانقسام بين الأحزاب السياسية البلوشية؛ كما تجلى بوضوح في الانتخابات العامة التي جرت عام 1985 ثم بعد ذلك في التسعينيات، وأدى الجانب الإقليمي للقضية البلوشية، فضلاً عن التعقيدات المتزايدة للمجتمع البلوشي، إلى تعقيد مهمة الحركة القومية البلوشية في تحقيق استراتيجية الوحدة والتلاحم لتحقيق أهدافها.
"البلوشية" وتحديات العولمة والجغرافيا السياسية
يتوقف المؤلف عند مآلات القضية البلوشية في باكستان وإيران، ويبدو أنه ليس متحمسًا لتحولاتها نحو النضال لأجل حكم ذاتي ضمن جمهوريتي باكستان وإيران، يحافظ على الهوية والثقافة البلوشية وعلى حقوق المواطنة للبلوش بدلاً من الاستقلال السياسي والإقليمي، والذي يبدو صراعًا يائسًا ومحسومًا مع دولتين كبيرتين ترفضان استقلال بلوشستان، وينظران إليها باعتبارها امتدادًا جغرافيًا طبيعيًا، ولا يغير من ذلك شيئًا أن يكون البلوش يتمتعون بتاريخ وثقافة إثنية مميزة؛ فالرواية الباكستانية والإيرانية تقوم على جغرافيا موحدة وثقافات متعددة، وإن كانت القومية والثقافة البنجابية هي المهيمنة في باكستان والقومية والثقافة الفارسية هي المهيمنة في إيران!
لقد أتاحت العولمة والتطورات الديمقراطية والثقافية مجالاً واسعًا للهويات والانتماءات الفرعية في ظل الهوية الرئيسية للدولة القائمة على المكان والموارد المستمدة من الصناعة والمعرفة والاعتماد العالمي المتبادل، وهذا يتيح للبلوش أن يتمتعوا بهويتهم وثقافتهم الخاصة بهم وأن يكونوا في الوقت نفسه مواطنين باكستانيين وإيرانيين.
لا يأتي المؤلف بذكر على البلوش في أفغانستان، ولا يبدو أن للبلوش هناك قضية خاصة بهم، ربما لأن عددهم في أفغانستان قليل، ولأن أفغانستان تعترف بالقوميات وتحترمها وتعتبرها مكونًا رئيسيًا للدولة وإن كان البشتون هم القومية المهيمنة في أفغانستان، كما أن أفغانستان دعمت الثورات البلوشية ضد إيران وباكستان وآوت قادة الثورة في بلادها.
ولا يبدو أن الوجود البلوشي في الخليج يمثل حالة أو قضية، برغم أن عددًا كبيرًا منهم ما زال "بدون"؛ لا يتمتعون بجنسية الدول الخليجية التي هاجروا إليها ويقيمون فيها، وهي بالطبع قضية محسومة باعتبارهم مهاجرين إلى الخليج واندمجوا في دوله ومجتمعاته باعتبارهم مواطنين، وإن كانوا ما زالوا يحتفظون بلغتهم وثقافتهم المميزة.
معلومات الكتاب
عنوان الكتاب: القومية البلوشية: أصولها وتطورها - Baloch Nationalism: its Origin and Development
المؤلف: تاج محمد بريسيك.
عرض: إبراهيم غرايبة - باحث متخصص في العلوم الاجتماعية.
ترجمة: أحمد يعقوب.
الناشر: بيروت - الانتشار العربي، ط1.
تاريخ النشر: 2013.
عدد الصفحات: 477.
لقراءة النص بصيغة PDF إضغط هنا:
HTTP://STUDIES.ALJAZEERA.NET/BOOKREVISION/2013/09/20139257395486584.HTM